الأحد، 23 مارس 2014

أسرة السعدون الأشراف صاحبة النفوذ القبلي الأكبر في العراق تاريخيا




كانت أسرة السعدون الأشراف صاحبة النفوذ القبلي الأكبر في العراق ، حيث أسست في بدايات القرن السادس عشر أكبر اتحاد للقبائل والعشائر مختلفة الأصول شهده العراق تاريخيا (تحت مشيخة شيخ مشائخ فعلي) وهذا الإتحاد هو اتحاد قبائل المنتفق. وقد حكمت أسرة السعدون الأشراف نصف العراق (عندما أسست مملكة المنتفق عام 1530م ) وأثرت تاريخيا بنصف العراق الآخر التابع للعثمانيين ، وذلك بدعم من قبائلهم في اتحاد المنتفق حتى كادت أن تستقل هي وقبائلها بحكم العراق بأكمله. وتتنوع أصول قبائل المنتفق بشكل يثير الدهشة بحيث أنه يوجد في هذا الإتحاد قبائل وعشائر من معظم الأصول العربية ، ويرجع السبب في ذلك الى تشجيع الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق ( آل سعدون الأشراف والتي كانت تعرف سابقا بـ آل شبيب ) لسياسة الهجرة للقبائل والعشائر العربية الى دولتهم. وقد ضم اتحاد المنتفق قبائل كان لها دول وإمارات تاريخيا في العراق ، وضم اتحاد المنتفق بداخله أيضا اتحادات قبلية أو عشائرية. هذا وقد شكلت قبائل اتحاد المنتفق ولعدة قرون درعا حصيناً تكسرت عليه الكثير من الحملات العثمانية والفارسية. يذكر المؤرخ يعقوب سركيس ، في كتابه مباحث عراقية ، ق 3 (((ليس بخاف على من له اطلاع على تاريخ آل سعدون، ذوي الشرف الباذخ والعز الأثيل أنهم جعلوا من (اتحاد) المنتفق قدوة للعشائر والقبائل، حاربوا به العثمانيين والفرس وأنزلوا بهم الهزائم))).





محتويات البحث:

1- مكانة اتحاد قبائل المنتفق التاريخية.
2- ضخامة اتحاد المنتفق وكثرة القبائل والعشائر فيه.
3- تنوع أصول قبائل المنتفق.
4- السياسات العثمانية ومحافظة اتحاد المنتفق على كونه أكبر اتحاد للقبائل والعشائر في العراق.
5- خطأ شائع يتمثل بالخلط ما بين قبيلة المنتفق واتحاد قبائل المنتفق.
6- المصادر.




1- مكانة اتحاد قبائل المنتفق التاريخية:

ان أبرز ماكان يميز قبائل المنتفق تاريخيا هو الوحدة العظيمة بينها والتي يرجع الفضل فيها – بعد الله - الى أسرة آل سعدون الأشراف ، وهي الوحدة التي جعلت مملكة المنتفق وحكامها وقبائلها اللاعب الرئيسي في تاريخ العراق وجعلت معظم أحداث العراق مما يخصها. يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في كتابه عشائر العراق ، عند حديثه عن قبائل المنتفق، المجلد الرابع ، ص27 (((كانت بينها وحدة عظيمة يرجع الفضل فيها إلى أمراء المنتفق، ومواهب القدرة والجدارة فيهم بادية وغالب وقائع العراق مما يخصها))). وقد حكمت أسرة السعدون الأشراف نصف العراق وأثرت تاريخيا بنصف العراق الآخر التابع للعثمانيين ، وذلك بدعم من قبائلهم في اتحاد المنتفق حتى كادت أن تستقل هي وقبائلها بحكم العراق بأكمله. يذكر المؤرخ والشاعر خالد الفرج ( ولد في الكويت عام 1898م) ، عند حديثه عن أسرة السعدون الأشراف ، في كتابه الخبر و العيان في تاريخ نجد ، ص: 203 (((ورئاسة قبائل المنتفق ترجع الى بيتهم من قديم ، لأن المنتفق خليط من قبائل شتى تجمعهم رابطة التحالف والمجاورة والمصاهرات، إلى أن كونوا قبيلة كبيرة تحكمت في نواحي العراق، وكادت تستقل بحكمه))).
وتعتبر الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق أسرة السعدون الأشراف (شيوخ مشائخ قبائل اتحاد المنتفق) أبرز أسرة ظهرت في تاريخ العراق الحديث ( الأربع قرون السابقة للحرب العالمية الأولى) ، حيث تحكمت هذه الأسرة بمقدرات العراق وتاريخه لعدة قرون. يذكر المؤرخ جعفر الخياط ، وذلك عند حديثه عن تفرد أسرة السعدون الأشراف في تاريخ العراق وتحكمها في مقدرات العراق ومصائره لعدة قرون ، في كتابه صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة، ص: 29 (((لم تظهر على مسرح الحوادث في تاريخ العراق الحديث أسرة نبيلة تولت الإمارة، وتحكمت في مقدرات العراق ومصائره دهرا طويلا من الزمن مثل أسره السعدون المعروفة. فقد بسطت نفوذها على القسم الأعظم من العراق الجنوبي مدة تناهز الأربع مئة سنة، وتولى شيخة قبائل المنتفك وإمارتها ما يزيد على العشرين شيخا من أبنائها البارزين. وقد كانت هذه الأسرة العربية الكريمة أول من بعث الفكرة العربية من مرقدها في العراق الحديث ، وحمل راية النضال من أجلها بالدم والحديد في وجه الأتراك والايرانيين، بعد أن دثرت وانطمست مآثرها على أيدي المغول الأثيمة.... وقد كان العثمانيون يشعرون بثقل العبء الملقى على عاتقهم في هذا الشان، ولذلك كان تصرفاتهم وخططهم التي رسمت خلال مدة حكمهم كلها ، ولا سيما في عهودهم الأخيرة ، تستهدف ضعضعة الأسرة السعدونية القوية والقضاء عليها بالحركات العسكرية والتدابير الإدارية ، والعمل على انقسامها فيما بينها))). وقد كان اتحاد قبائل المنتفق هو الكيان القبلي الأكبر والأهم والأكثر تأثيرا في العراق تاريخيا. يذكر مملكة المنتفق والأسرة الحاكمه فيها (أسرة آل سعدون الأشراف والتي كانت تعرف سابقا بـ آل شبيب) .. المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، ويقارن أهمية اتحاد قبائل المنتفق (اكبر اتحاد للقبائل والعشائر شهده العراق تحت مشيخة شيخ مشائخ فعلي) بالقبائل الأخرى في العراق كما يقارن أهمية أسرة المشيخة فيه (أسرة آل سعدون الأشراف والتي كانت تعرف سابقا بـ آل شبيب) بأسر المشيخة الأخرى بالعراق ، وذلك عند بداية حديثه في قسم المنتفق من نفس الكتاب، ج:3 ، ص:590 (((مامن قبيلة عراقية تضاهي المنتفق في الأهمية ولا عائلة شيوخ تضاهي عائلة سعدون - شبيب التي أسست في أواخر القرن السابع عشر مملكة المنتفق على الفرات الأدنى والتي جلبت في الحرب العالمية الأولى - عندما كانت تلك المملكة قد سقطت - لاسم المنتفق الفخر والاعتزاز مرة أخرى))).


2- ضخامة اتحاد المنتفق وكثرة القبائل والعشائر فيه:

قبائل المنتفق كبيرة في حجمها وكثيرة في عددها ومتنوعه في أصولها وهذا ماجعلها عصية على الكسر أمام العثمانيين. يذكر ضخامة اتحاد المنتفق وكثرة قبائله مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي، في كتابه عشائر العراق، المجلد الرابع، ص:14(((عشائر المنتفق كبيرة وكثيرة، وليس من المستطاع أن تذعن لبيت. وانما القدرة في هذا البيت جعلتها تذعن وبالتعبير الاصح ان الحوادث وتواليها جمعتها في الرئاسة ذات المواهب... ولم يخل بها أو يضعضع أمرها ما قامت به الدولة العثمانية من حركات عسكرية للقضاء عليها بل مكنتها، فاثبتت الكفاءة بإدارة عشائرها والجدارة بحزم في التفاهم معها))). ونظرا لكون أسرة السعدون الأشراف هي الأسرة المؤسسه لإتحاد قبائل المنتفق فإن الحاكم لمملكة المنتفق من آل سعدون الأشراف يحمل لقب (شيخ مشائخ المنتفق) ويعتبر شيخ مشائخ فعلي لكل القبائل والعشائر في هذا الإتحاد القبلي الضخم. يذكر خورشيد باشا (الذي اشترك بلجنة الحدود العثمانية الفارسية ما بين 1848م - 1852م وأصبح واليا لأنقرة لاحقا ) في تقريره الذي أعده للدولة العثمانية في تلك الفترة، وذلك عند حديثه عن عادات وتقاليد شيخ مشايخ المنتفق من أسرة آل سعدون الأشراف ، كتاب ولاية البصرة - من كتاب (سياحة نامة حدود) جولة بالمناطق الحدودية بين الامبراطورية العثمانية وفارس ، ص: 59 ((( هناك عدد كبير من الشيوخ الثانويين تحت سيادة شيخ مشايخ المنتفق ، كل هذا العدد من الشيوخ تحت أمرة شيخ المنتفق ، وعن طريق كل منهم تصل تعليمات الشيخ الرئيسي الى افراد قبائلهم وعليهم ان ينفذوا هذه الاوامر طوعا لا اكراها ))).

وتنتشر قبائل المنتفق تاريخيا على مساحات واسعة تمتد من شمال الأحساء وشمال الجزيرة العربية وحتى وسط العراق وتغطي مايقارب نصف مساحة العراق. يذكر أ.م.د. رياض الأسدي , في بحثه جذور الفكر السياسي في العراق الحديث ـ1ـ , محاولات الإستقلال المحلّي في العراق 1750ـ 1817 ، عند حديثه عن الرحالة بارسونز وزيارته لأراضي مملكة المنتفق في عام 1774م (((وجد أن حلفه القبلي "المنتفق" يغطي مساحة كبيرة من جنوب ووسط العراق، ويضمّ بين جنباته عددا كبيرا من السكان يفوق بالطبع عدد السكان المنضوين في باشوية بغداد أضعافا))). ويذكر إبراهيم فصيح الحيدري ، ثلاثه وثلاثين قبيلة من قبائل اتحاد المنتفق ووضح انه اقتصر على ذكر بعض قبائل المنتفق في عصره ، وذلك في كتابه (عنوان المجد في بيان أحوال بغداد والبصرة ونجد) الذي كتبه بعد منتصف القرن التاسع عشر (((المنتفك – وهي ذات كثرة وتفرع إلى عدة قبائل، فمن قبائلها : بنو مالك، والأجود، وبنوسعيد, وبنو ركاب، والخفاجة ,والطوينات، والشويلات، والطوكبة، والبدور، والشريفات، والجمعيات، والماجد وآل صالح، والزهيرية، وشمر الزوابع، وشمر العبيدات وبنو سكين، وبنو تميم، والسليمات، والعيايشة، والبراجقة، والغزيوي، والعوينات، والفضيلة، وبنو نهد، وعبوده، والمجاوعة، وخرسان، وأمارة وربيعة، وكويش، وسراج، وآل دراج. وغير ذلك من القبيلة الكثيرة التي يطول بيانها. وكذا في جهة الغراف قبائل كثيرة للمنتفك يطول بيانها. وأنما اقتصرنا على بعضها ليعرف عظم عشائر المنتفك وأكابرهم آل شبيب وأكابر آل شبيب آل سعدون، وهم شيوخ المنتفك في عصرنا))). وينبغي ملاحظة أن مملكة المنتفق في عصر الحيدري لم تكن في أقصى اتساع تاريخي لها حيث تم التنازل للدولة العثمانية من قبل أسرة السعدون الأشراف عن مناطق كبيرة والعديد من العشائر والقبائل فيما كان يعرف تاريخيا بمرحلة الإفراز والتي بدأت عام 1853م بالتنازل عن لواء السماوة بأكمله.

3- تنوع أصول قبائل المنتفق:

تتنوع أصول قبائل المنتفق بشكل يثير الدهشة بحيث أنه يوجد في هذا الإتحاد قبائل وعشائر من معظم الأصول العربية ، ويرجع السبب في ذلك الى تشجيع الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق ( آل سعدون الأشراف والتي كانت تعرف بـ آل شبيب ) لسياسة الهجرة للقبائل والعشائر العربية الى دولتهم. يصف مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، كثرة الأصول التي ترجع لها قبائل وعشائر المنتفق وكأنه جزيرة العرب مالت الى العراق بكل تنوع أصول قبائلها ، في كتابه عشائر العراق ، المجلد الرابع ، قسم المنتفق ، ص:28 (((وعشائر المنتفق من حيث العموم (عدنانية). سكنت العراق من القديم توالي ورودها، وتكاملت وكأن جزيرة العرب مالت الى أنحاء العراق، وجدتها مفتحة الأبواب. ويتخلل هذه عشائر قحطانية من زبيدية وحميرية عاشت معها، واكتسبت أوضاعها الا أن الاكثرية الساحقة عدنانية. ويطلق عليها "عشائر المنتفق"))). وهذه بعض أبرز الأصول التي ترجع لها قبائل وعشائر اتحاد المنتفق:

1- قبائل ترجع في أصلها للجد عامر بن صعصعه ( مثل قبيلة خفاجة ، وقبيلة عبادة ، وقبيلة بني سعيد وهم القسم المتبقي من قبيلة المنتفق القديمة ، وقبيلة بني مالك وهم أبناء عمومه لقبيلة المنتفق القديمة ... وغيرهم من العشائر والقبائل).
2- قبائل وعشائر طائية ( عشائر من طيء ومن بني لام ومن شمر وغيرهم ).
3- بني تميم العراق ، بعضهم هاجر لولاية بغداد أو للحويزة لاحقا.
4- عشائر تنتمي لعنزه ( أشهرهم قبيلة البدور وعشيرة الزياد).
5- قبائل وعشائر تنتمي لربيعه ( وهم كثير في اتحاد المنتفق وأبرزهم قبيلة عبودة الملقبة "حبال الصيوان" لإعتماد آل سعدون الأشراف عليهم).
6- عشائر تنتمي لبني خالد (بعد سقوط دولة بني خالد دخلت عشائر منهم في اتحاد المنتفق).
7- قبائل وعشائر حميرية ( منهم قبيلة بنو خيقان).
8- عشائر زبيدية.
9- قبائل وعشائر ترجع لغزيه.
<< نسب أسرة السعدون الأشراف – اضغط هنا >>

وقد ضم اتحاد المنتفق قبائل كان لها دول وإمارات تاريخيا في العراق ، مثل قبيلة خفاجة التي كان لها دولة في العراق في القرن الخامس الهجري وكانت عاصمتها الكوفه، وقبيلة بني أسد والتي كان لها دولة في العراق منذ أواخر القرن الرابع الهجري وعاصمتها الحلة ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو , قسم بني أسد , عند حديث المؤلف عنهم من القرن السادس عشر , ج3 , ص: 652 ((( وظلوا , شأنهم شأن بني منصور وبني خيقان خاضعين للمنتفق حتى سقوط السعدون))). وقبيلة عبادة التي كان لها امارة في العراق ، وابن قشعم وقبائله والذي كان له دولة في غرب العراق في بداية القرن السابع عشر وكانت مدن دولته الرئيسية هي النجف وكربلاء ، ودخل هو وقبائله ضمن قبائل وعشائر ثلث الأجود أحد أثلاث اتحاد قبائل المنتفق. يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في كتابه عشائر العراق ، عند حديثه عن آل قشعم (((والملحوظ ان هذه العشيرة ليست أكثر من أمارة أو رئاسة بدوية على عشائر عديدة فتعتبر ناظمة لها ومشتقة منها. وان امارة المنتفق غطت عليها أو دخلت هي ضمنها بل ضمن أحد أثلاثها ))). وضم اتحاد المنتفق أيضا اتحادات قبيلة أو عشائرية مثل اتحاد قبائل بني حكيم والذي فصل عن اتحاد المنتفق عام 1853م عندما تنازل آل سعدون الأشراف عن لواء السماوة للعثمانيين وبقيت بعض قبائل بني حكيم على علاقة مع قبائل المنتفق ، ومثل تحالف عشائر الجوارين ، وضم أيضا قبائل كريمة ومشهورة جدا تاريخيا مثل بني تميم العراق ( هامة مضر). يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو , ج3, ص:542 ((( وكان بنو تميم في القرن الثامن عشر يشكلون جزءا من منتفق البصرة , لكنهم في هذه الأثناء ذابوا في أجزاء أخرى من هذا المجمع))). وان القارىء لكتاب عشائر العراق لمؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي تصيبه الدهشة من كثرة القبائل والعشائر المختلفة الأصول التي أستطاعت أسرة السعدون الأشراف أن توحدها في اتحاد قبائل المنتفق.

4- السياسات العثمانية ومحافظة اتحاد المنتفق على كونه أكبر اتحاد للقبائل والعشائر في العراق:

على الرغم من السياسات العثمانية والمعارك ضد مملكة المنتفق على مدى عدة قرون وخصوصا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر والتي تسببت في هجرة الكثير من القبائل من مملكة المنتفق إلى ولاية بغداد أو إلى عربستان (حيث شكلوا ثقلا عدديا كبيرا هناك ولكنهم فقدوا وحدتهم ) وتسببت أيضا في إستعادة أراضي شاسعة من مملكة المنتفق لصالح العثمانيين منذ العام 1853م وفقا لإتفاقيات رسمية فيما عرف لاحقا بمرحلة الإفراز ، إلا ان اتحاد قبائل المنتفق حافظ على كونه أكبر اتحاد للقبائل والعشائر مختلفة الأصول في العراق. يذكر المؤرخ الشيخ علي الشرقي ، في كتابه ذكرى السعدون (الصادر عام 1929م) ، مرحلة الإفراز وتدرج العثمانيين بإقتطاع أراضي مملكة المنتفق في القرن التاسع عشر ، ص: 28 (((وتم للعثمانيين ماارادوه في بلاد المنتفق وكانوا يعملون عليه منذ قرون تقريبا فقد جاؤا على البنيان بالهدم حجارة حجارة حتى اتوا عليه وقد تدرج العثمانيون ينقصون مملكة المنتفق من السماوة والعمارة ومن أنحاء البصرة))). ويذكر قبائل اتحاد المنتفق بعد هذه الفترة الكسندر أداموف ، القنصل الروسي في البصرة في نهاية القرن التاسع عشر، في كتابه ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها (((إن اتحاد المنتفق، أقوى الاتحادات العراقية وأكثرها عددا... وفي مقدوره أن يقدم إلى ساحة المعركة ما يقارب من (50) ألف مقاتل ،بفضل اتحاد قبائله ورؤسائه من آل شبيب... (إنه) اتحاد مخيف، بل مرعب لقوى الدولة وللقوى الأخرى، طالما جرع الكثيرين هزائم لا تنكر))). وعندما زارت المس بيل العراق بعد الحرب العالمية الأولى (بعد 1918م) كانت قبائل اتحاد المنتفق تقارب الخمسين قبيلة مختلفة الأصول وذلك في منطقة لواء المنتفق ، وهي واحدة من المناطق التي تنتشر فيها قبائل اتحاد المنتفق ، ومنطقة لواء المنتفق تمثل أقل اتساع تاريخي لمملكة المنتفق بعد مرحلة الإفراز وسقوط مملكة المنتفق الأول عام 1881م أمام الدولة العثمانية. تصف المس بيل (التي كانت في العراق بعد الحرب العالمية الأولى) ، قبائل لواء المنتفق ، في كتابها فصول من تاريخ العراق القريب، ص: 69 (((فإن المنطقة الممتدة من القرنة الى الناصرية , ومافيها من مستنقعات وأهوار الشلب وبساتين النخيل والبادية , تسكنها الآن حوالي خمسين قبيلة مختلفة ذات أصل مختلف كانت كل منها تؤلف في وقت من الأوقات جزءا من مجموعة قبائل المنتفك في ظل الأسرة الحجازية الجبارة, أسرة السعدون))).

5- خطأ شائع يتمثل بالخلط ما بين قبيلة المنتفق واتحاد قبائل المنتفق:

من الأخطاء الشائعة هي خلط البعض ما بين اتحاد قبائل المنتفق وقبيلة المنتفق القديمة والمنتسبه للجد عامر بن صعصعه ، والتي تشتت بشكل كامل عام 1546م بحملة أياس باشا على مدينة البصرة ولم يبقى منها سوى فرع عرف بقبيلة بني سعيد والتي انضمت لإتحاد قبائل المنتفق كثالث قبيلة في الإتحاد وأصبحت أحد قبائله الرئيسية ، وهي القبيلة التي سمي عليها ثلث بني سعيد والذي يضم بالإضافة لها مجموعة من القبائل والعشائر مختلفة الأصول. يذكر الكسندر أداموف ، القنصل الروسي في البصرة في نهاية القرن التاسع عشر, في كتابه (ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها) ، وذلك عند حديثه عن أول ثلاث قبائل في اتحاد المنتفق ، ص: 178(((واسم المنتفقيون نفسه جاء كما يذكر خورشيد أفندي الذي اشترك في لجنة الحدود العثمانية - الفارسية في عام 1849م في كتابه، من الكلمة العربية (متفق) التي تعني (متحد) ذلك أن هذا الأتحاد تكون من اتحاد ثلاث قبائل رئيسية هي بنو مالك والأجود وبنو سعيد حيث توصلت هذه القبائل الثلاث بعد منازعات وخلافات طويلة إلى الأتفاق على انتخاب شيخ مشترك واحد. وقد وقع اختيارها على عائلة الشبيب التي كان جدها قد نزح من الحجاز قبل مايقرب من مائتي سنة واستقر مع أسرته بين القبائل المذكورة. ومنذ ذلك الوقت أصبح شيوخ المنتفقيون ينتخبون من هذه الأسرة فقط))). هذا الخطأ الشائع في عدم التفريق بين قبيلة المنتفق واتحاد قبائل المنتفق يقودنا الى نسبة تاريخ عشرات القبائل والعشائر في العراق (الذين يشكلون اتحاد قبائل المنتفق والمنتشرين في نصف العراق وفي الحويزة ) الى قبيلة المنتفق التي ليس لها وجود فعلي منذ العام 1546م. يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي، انتشار قبائل اتحاد المنتفق (أكبر اتحاد للقبائل والعشائر مختلفة الأصول شهده العراق تحت مشيخة شيخ مشائخ فعلي)، وذلك في موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، المجلد السابع ، ص: 168 (((ان قبائل المنتفق من أعظم عشائر العراق. يمتدون من الحلة والديوانية والسماوة حتى البصرة وأراضي الحويزة ، وكذا لواء العمارة غالبه منهم))). ويذكر النسابة الأستاذ حليم حسن الأعرجي ، في كتابه: آل الأعرجي - أحفاد عبيدالله الأعرج , ص: 289 - 290 ((( لقد أستطاع الشريف حسن , ومن بعده أبنائه واحفاده , من انشاء أتحاد عشائري ضخم سمي " المنتفق " أو " المنتفج " تحت رئاسة وقيادة آل سعدون , أستمر حتى أيام مدحت باشا سنة 1871 مستقلا يتمتع بنفوذ ذاتي لا علاقة له تقريبا بالحكم العثماني . أن النزعة الأستقلالية لعموم العراق لم تكن خافية على أحد , ولم يكن آل سعدون يترددون من الأعلان عن عزمهم على تحقيق استقلال العراق . رغم أن الظروف والضرورة ألجأت بعض القادة من آل سعدون الى التعامل مع السلطات العثمانية في اطار من التعاون والتحالف للقيام ببعض المهمات العسكرية المشتركة))).
ويذكر هارولد ديكسون (الوكيل السياسي البريطاني والذي عمل كسياسي بالعراق بعد الحرب العالمية الأولى ) ، وذلك عند حديثه عن الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق وأسرة المشيخة في اتحاد قبائل المنتفق ( أسرة السعدون الأشراف ) وعند حديثه عن قبائل اتحاد المنتفق وعن شهرة اسم المنتفق في المجتمع العربي في تلك الفترة وعن بادية العراق ، في كتابه عرب الصحراء (((وتاريخ تحالف المنتفق يرتبط ارتباطاً لا ينفصم بالسعدون ، واسم المنتفق ذاته كما يستخدم في العراق يشير فقط إلى العائلة الحاكمة وإلى عبيدها وأتباعها والذين يعتبرون جزءاً لا يتجزأ منها. ولا يوجد أحد من رجال القبائل في العراق يدعو نفسه منتفقي مع أنه قد يستخدم الكلمة عندما يكون في مكة أو دمشق حيث لا تعرف قبيلته الصغيرة في حين أن شهرة المنتفق على كل لسان في المجتمع العربي. ومكانة السعدون والتي تتمتع بأهمية سياسية كبرى في جنوب ما بين النهرين تعتمد بشكل رئيسي على أصولهم وبشكل جزئي على الجهل التركي الرسمي أو تجاهلهم بعلاقتهم بالقبائل. كما لا يجب أن يغرب عن البال أن السعدون يرتبطون بالنظام الاجتماعي للصحراء ولم يخضعوا لتأثيرات المحلية التي خضعت لها قبائل العراق ، والتي كانت مثلهم من المهاجرين من الجزيرة العربية والذين سبقوهم بالهجرة وهم لذلك أكثر اتصالاً بتقاليد وعادات ما بين النهرين. وقد حافظ آل السعدون على السمات التي تميز بدو الجزيرة العربية ، فهم من السنة ومن أهل البعير أي الإبل وديرتهم هي منطقة الحماد غربي الحي أو جنوب الفرات حيث حفروا أو أعادوا حفر الآبار في منازلهم القبلية المعتادة وإليها يعودون بعد هطول المطر المبكر وحيث يتمتعون بسلطتهم كزعماء مستقلين للصحراء))).

6- المصادر:

1- كتاب مباحث عراقية ، ق 3 ، المؤرخ يعقوب سركيس (ولد عام 1876م).
2- كتاب عشائر العراق ، مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي.
3- كتاب الخبر والعيان في تاريخ نجد ، المؤرخ والشاعر خالد الفرج (ولد عام 1898 م).
4- كتاب صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة ، المؤرخ جعفر الخياط.

5- كتاب البدو ، المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم.
6- كتاب ولاية البصرة - من كتاب (سياحة نامة حدود) جولة بالمناطق الحدودية بين الامبراطورية العثمانية وفارس ، تقرير عثماني أعده للدولة العثمانية خورشيد باشا (الذي اشترك بلجنة الحدود العثمانية الفارسية ما بين 1848م - 1852م وأصبح واليا لأنقرة لاحقا).
7- بحث بعنوان: جذور الفكر السياسي في العراق الحديث ـ1ـ , محاولات الاستقلال المحلّي في العراق 1750ـ 1817 ، أ.م.د. رياض الأسدي , مجلة الجندول.
8- كتاب عنوان المجد في بيان أحوال بغداد والبصرة ونجد، إبراهيم فصيح الحيدري.
9- كتاب ذكرى السعدون – صدر عام 1929م ، المؤرخ الشيخ علي الشرقي.
10- كتاب ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها ، الكسندر أداموف ، القنصل الروسي في البصرة في نهاية القرن التاسع عشر.
11- كتاب فصول من تاريخ العراق القريب ، المس بيل ، التي عملت في العراق مستشارة للمندوب السامي البريطاني بيرسي كوكس.
12- موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين ، مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي.
13- كتاب آل الأعرجي - أحفاد عبيدالله الأعرج ، السيد النسابة حليم حسن الأعرجي.
14- كتاب عرب الصحراء ، هارولد ديكسون ، الوكيل السياسي البريطاني والذي عمل كسياسي بالعراق بعد الحرب العالمية الأولى .