الجمعة، 21 مارس 2014

طلب الدولة العثمانية للدعم العسكري من دولة بني خالد ضد مملكة المنتفق عام 1692م





كان حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف مانع بن شبيب آل شبيب ( الجد الأعلى لمعظم فروع أسرة السعدون الأشراف) يحكم نصف العراق ، وقد تمكن من إنتزاع مدينة البصرة (أهم المدن التجارية في المنطقة وأحد أكبر المدن العربية من الناحية السكانية) من الدولة العثمانية لمرتين متتاليتين ، كما تمكن من تدمير الكثير من الحملات العسكرية العثمانية ، ولم يستطع أي والي أو قائد عثماني من الإنتصار عليه عسكريا. وكنتيجه لذلك اضطرت الدولة العثمانية (عام 1692م) الى طلب الدعم العسكري من دولة بني خالد ، وذلك لفتح جبهتين ضد مملكة المنتفق حتى يسهل تشتيت قوات حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف مانع بن شبيب آل شبيب وبالتالي يمكن إستعادة مدينة البصرة منه.
 
 


المشجرة التالية للمؤرخ الإنجليزي ستيفن هيمسلي لونكريك، في كتابه: أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث( ص: 420 ) ، وهي توضح أسماء من حكم مملكة المنتفق (من ذرية الأمير الشريف مانع بن شبيب) حتى الحرب العالمية الأولى.

 



محتويات البحث:

1- تعريف بدولة بني خالد - دولة آل حميد.
2- أسباب طلب الدولة العثمانية للدعم العسكري من دولة بني خالد ضد مملكة المنتفق.
3- جيش مملكة المنتفق ينتصر عسكريا على جبهتين أمام قوات دولة بني خالد والقوات العثمانية.
4- المصادر.

1- تعريف بدولة بني خالد - دولة آل حميد:

أسس دولة بني خالد الأمير براك بن غرير آل حميد في عام 1670م ، و منذ منتصف القرن الثامن عشر كانت دولة بني خالد في الأحساء (شرق الجزيرة) ثاني أقوى الدول الإقليمية في داخل الجزيرة العربية بعد دولة الأشراف في الحجاز (غرب الجزيرة العربية). يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو , ج 3 , ص: 595 ((( في منتصف القرن الثامن عشر كان أمراء الأحساء بعد أشراف مكة ، أقوى أمراء شبه الجزيرة العربية. وكان أمراء العيينة ، مسقط رأس محمد بن عبدالوهاب، وأمراء منفوحة خاضعين لهم ، وفي الشمال كانت الكويت تابعة لهم ، وكانت عنزة بزعامة ابن هذال ، والتي كانت تخيم آنذاك في القصيم ، تقدم لهم المقاتلين عند الحاجة وتلبي دعوتهم للحرب))). أستمرت هذه الدولة لما يقارب 120 سنة ، ولكنها بدأت تضعف بعد صراع عسكري مع الدولة السعودية الأولى. أنتهى هذا الصراع بضم الأحساء من قبل حاكم الدولة السعودية الأولى الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود الى دولته ، حيث سقطت دولة بني خالد في عام 1208هـ (1794م). وقد عين الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود على الأحساء (اسميا) الأمير براك من آل حميد. يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، أحداث سنة 1208هـ ، ج:1 ، ص: 206 (((زالت ولاية آل حميد المستقلة لهم في الأحساء والقطيف ونواحيها ، لأن ولاية براك هذه كانت لعبدالعزيز بن محمد بن سعود))).

2- أسباب طلب الدولة العثمانية للدعم العسكري من دولة بني خالد ضد مملكة المنتفق:

قام والي مدينة البصرة العثماني أحمد باشا (عام 1690م) بالإعتداء على سكان مدينة البصرة بسبب الضرائب والرسوم التي لم يستطع الأهالي دفعها بسبب الطاعون. يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي , في كتابه موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين, حوادث سنة 1102هـ - 1690م , المجلد الخامس , ص 155 ((( ذلك ما دعا أن يقع اختلاف بين والي البصرة وهو الوزير أحمد باشا آل عثمان والأهلين على ( الرسومات الشرعية) و(الضرائب العرفية) بحيث أدى الى وقوع القتال))). وهنا تدخل حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها الأمير الشريف مانع بن شبيب آل شبيب ( الجد الأعلى لمعظم فروع أسرة السعدون الأشراف) وجهز جيشا من ثلاثة آلاف فارس من فرسان قبائل اتحاد المنتفق وعشائر منطقة الجزائر في مملكة المنتفق. يذكر علي ظريف الأعظمي ، في كتابه مختصر تاريخ البصرة ، ص: 153 ((( فحمل عليها منهم ثلاثة آلاف فارس بقيادة أمير المنتفك الشيخ مانع))). فخرج والي البصرة للتصدي له ولكنه قتل وتشتت جيشه ، ثم حاول نائب الوالي (حسن آغا) صد قوات حاكم مملكة المنتفق ولكنه فشل في ذلك وقتل أيضا ، ودخلت قوات مملكة المنتفق الى البصرة. يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي , في كتابه موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين, حوادث سنة 1102هـ - 1690م ، عند حديثه عن نائب والي البصرة العثماني , المجلد الخامس , ص 155 (((ومن ثم حاول كتخداه حسن آغا أن يتولى منصبه بإتفاق أهل الرأي ممن كان هناك فلم يفلح. وإنما تقدم العربان نحوهم فتمكنوا من الإستيلاء على البصرة. وكان شيخ المنتفق ( مانع) قائد الجموع))). ولكن حاكم مملكة المنتفق خاف على جنوده من مرض الطاعون لذلك قرر مغادرة المدينة بجيشه.

وما أن انجلى مرض الطاعون عن جنوب العراق ومدينة البصرة حتى زحف حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف مانع بن شبيب على مدينة البصرة بجيشه واحتلها بدون قتال بعد هروب العثمانيين من مواجهة قواته. وقد اتخذ الأمير الشريف مانع بن شبيب مدينة البصرة عاصمة لمملكة المنتفق ، وفي فترة سيطرته على مدينة البصرة للمرة الثانية بدأت الدولة العثمانية ترسل له الحملات العسكرية الكبيرة والمتتابعة والتي كسرها كلها ، حتى أطلق المثل الشعبي في العراق (أمنع من مانع) ، وقد أدت هذه الخسائر المتتابعة للدولة العثمانية الى إصابة والي بغداد بمختلف الأمراض وتوفي في عام 1103هـ. يذكر المؤرخ العثماني نظمي زاده مرتضى افندي (المعاصر للأحداث) ، في كتابه كلشن خلفا، ص: 299 ((( انعمت الدولة العلية في بداية السنة 1102 على الوزير أحمد باشا بولاية بغداد ، وكان المشار اليه مشهورا بأسم أحمد باشا البزركان ، وقد وصلها في اليوم السابع عشر من شهر ذي الحجة وباشر أعماله. وفي خلال حكمه كان شيخ المنتفق الشيخ مانع يتولى الحكم على البصرة قهرا وتمردا ، وقد أرسلت اليه الدولة الحملة أثر الحملة ولكنه في كل مرة يتغلب عليها فتعود بالخسران ، ماأدت هذه الحالة الى إصابة الوالي بمختلف الأمراض لتأثره ، وأخيرا وفي اليوم الثاني من شهر شوال سنة 1103 انتقل الى رحمة الله ودفن بجوار المجتهد الأقدم والامام الأعظم أبي حنيفة رضي الله عنه))). وكانت أحد هذه الحملات بقيادة وزير والي بغداد وبقوات ضخمه وهزمها حاكم مملكة المنتفق هزيمة كبيرة. يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي , في كتابه موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين, حوادث سنة 1103 هـ - 1691م , متحدثا عن الوزير أحمد باشا البازركان , المجلد الخامس , ص 156 ((( وهذا الوزير أرسل كتخداه بجم غفير الى مانع شيخ المنتفق فعاد بمغلوبية فاحشة ))).

كان حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف مانع بن شبيب قد دخل في مواجهات عسكرية متعددة مع الحملات العسكرية لولاة بغداد في تلك الفترة ، وانتصر فيها كلها وقتل بعض قادتها وأسر آخرين ، حتى أصبحت هزيمته حلما يراود كل القادة والولاة العثمانيين في المنطقة. ونظرا لكون دولة بني خالد تمتلك حدود مباشرة مع مملكة المنتفق فقد اضطرت الدولة العثمانية (عام 1692م) الى طلب الدعم العسكري من دولة بني خالد ، وذلك لفتح جبهتين ضد مملكة المنتفق بحيث تتقدم قوات دولة بني خالد من جنوب مملكة المنتفق وتتقدم القوات العثمانية من شمال مملكة المنتفق حتى يسهل تشتيت قوات حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف مانع بن شبيب بين جبهتين وبالتالي يمكن إستعادة مدينة البصرة منه.

3- جيش مملكة المنتفق ينتصر عسكريا على جبهتين أمام قوات دولة بني خالد والقوات العثمانية:

قاد تحرك قوات بني خالد الأمير براك بن ثنيان آل حميد وهو أحد المرشحين الأقوياء لحكم دولة بني خالد في تلك الفترة ، إلا أن التحالف بين الدولة العثمانية ودولة بني خالد تسبب بخسائر كبيرة للطرفين ولم ينجح هذا التحالف في استعادة مدينة البصرة. فلم تتمكن قوات الدولة العثمانية من هزيمة قوات مملكة المنتفق على الجبهة الشمالية ... بينما خسرت قوات دولة بني خالد على الجبهة الجنوبية وقتل قائدها الأمير ثنيان بن براك. يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 356 ((( بوفاة محمد تولى ابنه سعدون المرشح الأول للزعامة الخالدية مقاليد الحكم دون أي معارضة لاسيما أن ثنيان بن براك أحد المرشحين الأقوياء لتولي تلك الزعامة الخالدية كان قد قتل قرب البصرة أثناء قيادته لقوات بني خالد في صراعها مع المنتفق سنة 1103هـ / 1692م ))). ويشيرعبدالكريم المنيف الوهبي الى أن سبب هذه المعركة هو طلب العثمانيين من دولة بني خالد العون العسكري، وذلك في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 391 (((فمن المستبعد أن ينسى بنوخالد هزيمتهم على يد مانع ومقتل ثنيان بن براك ، ولأن هذا الصراع كان سببه محاولة بني خالد القضاء على تمرد مانع بتحريض من سلطات البصرة العثمانية ))).

4- المصادر:

1- كتاب أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث ، المؤرخ الإنجليزي ستيفن هيمسلي لونكريك ، الذي عمل كمفتشا إداريا بالعراق من قبل بريطانيا العظمى في الفترة التالية للحرب العالمية الأولى.
2- كتاب البدو ، المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم.
3- كتاب عنوان المجد في تاريخ نجد ، المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية.
4- موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين ، مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي.
5- كتاب مختصر تاريخ البصرة ، علي ظريف الأعظمي.
6- كتاب كلشن خلفا ، المؤرخ العثماني نظمي زاده مرتضى افندي.
7- كتاب بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، عبدالكريم المنيف الوهبي.