الاثنين، 17 مارس 2014

طلب الدولة العثمانية للدعم العسكري من بريطانيا العظمى ضد مملكة المنتفق عام 1769م

 




نذكر في هذا البحث حدث نادر في تاريخ العراق وذلك عندما طلبت الدولة العثمانية الدعم العسكري من بريطانيا العظمى ضد مملكة المنتفق. وكان العمل العسكري المشترك الذي طلبه العثمانيين يتمثل بإستخدام المدفعية التي تحملها السفن البريطانية لتوجيه ضربات وقصف مدفعي على مدن وقرى مملكة المنتفق على طول نهر الفرات أثناء تحرك القوات العثمانية بريا. وننقل في هذا البحث وصفا للرحالة بارسونز عندما زار في تلك الفترة المعسكر الحربي الضخم لحاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف عبدالله بن محمد بن مانع آل شبيب (أخو الأمير الشريف سعدون بن محمد الذي عرفت بإسمه الأسرة لاحقا) ، حيث وصفه الرحالة بارسونز بأنه أقوى أمير عربي على نهر الفرات وعلى الخليج العربي ، كما وصف ضخامة معسكره الحربي والذي كان يضم ثمانين ألف نسمة .. وهذا ما يوضح سبب طلب الدولة العثمانية للعون العسكري من بريطانيا العظمى لمواجهته.

 

محتويات البحث:

1- تعريف موجز بحاكم مملكة المنتفق في تلك الفترة الأمير الشريف عبدالله بن محمد.
2- وصف الرحالة بارسونز للمعسكر الحربي الضخم لحاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف عبدالله بن محمد.
3- أسباب التوتر بين الدولة العثمانية وحاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف عبدالله بن محمد.
4- طلب الدولة العثمانية للدعم العسكري من بريطانيا العظمى لمواجهة الأمير الشريف عبدالله بن محمد.
5- المصادر.

1- تعريف موجز بحاكم مملكة المنتفق في تلك الفترة الأمير الشريف عبدالله بن محمد:

كان حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها في تلك الفترة هو الأمير الشريف عبدالله بن محمد بن مانع آل شبيب وهو أخو الأمير الشريف سعدون بن محمد الذي عرفت بإسمه الأسرة لاحقا. وكان الأمير الشريف عبدالله بن محمد قبل أن يتولى الحكم في مملكة المنتفق قد استقل بمشيخة قبائل بادية العراق الممتدة من شمال الأحساء وشمال نجد وحتى شمال السماوة في الفترة ما بين ( 1742م - 1757م) ، بينما كان الحكم الرسمي لمملكة المنتفق ومعظم حواضرها في تلك الفترة بيد اثنين من ابناء عمه وهما الأمير الشريف منيخر بن ناصر بن صقر آل شبيب ثم تلاه الأمير الشريف بندر بن مغامس بن مانع آل شبيب. وبعد وفاة الأمير الشريف بندر بن مغامس آل شبيب (عام 1757م) فرض الأمير الشريف عبدالله بن محمد آل شبيب نفسه على مسرح الأحداث وحكم مملكة المنتفق بأكملها. يذكر هؤلاء الحكام المؤرخ والباحث يعقوب نعوم سركيس (ولد عام 1876م) ، في بحثه: مشيخة آل سعدون في المنتفق وسبب انحلالها ، نشر البحث في مجلة لغة العرب سنة 1927م ، ص: 23 ((( كانت حمولة آل شبيب القرشيين الهاشميين العلويين تتناوب أعضاؤها منذ أمد بعيد على ادارة شؤون ديرة المنتفق المترامية الأطراف. ثم نبغ في احفاد شبيب سعدون المحمد المانع وأخوه عبدالله في منتصف القرن الثامن عشر ، وقد تخللت تلك الحقبة مشيخة منيخر "بالتصغير" من آل صقر وبندر من آل عزيز ... وجميعهم من آل شبيب))).وقد عرف المؤرخ يعقوب سركيس نسب الأسرة بــ القرشيين (نسبة لقبيلة قريش) والهاشميين (نسبة لبني هاشم) والعلويين (نسبة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه والذي يعرف نسله بالأشراف) << نسب أسرة السعدون الأشراف – اضغط هنا >> . ويذكر يوسف بن حمد البسام ، في كتابه الزبير قبل خمسين عاما مع نبذة تاريخية عن نجد والكويت، وذلك عند حديثه عن الفترة التي حكم بها مملكة المنتفق الأمير الشريف عبدالله بن محمد ، ص: 159 ((( والأمراء البارزين في ذلك الحين هم (اشراف الحجاز) و(بنو خالد) حكام الأحساء وما والاها من المنطقة الشرقية ، و(آل معمر) في العيينة و (آل سعدون) في العراق و (امام صنعاء) في اليمن، و(السادة) في نجران))). وهذا عمود نسب حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف عبدالله بن محمد مضافا اليه توضيح لمن حكم مملكة المنتفق ومن تولى امارة المدينة المنورة أو امارة مكة المكرمة من أجداده:

الأمير عبدالله (حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها) بن الأمير محمد (حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها) بن الأمير مانع الثاني (حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها) بن الأمير شبيب الثاني(حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها) بن الأمير مانع - الصخا (حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها) بن الأمير شبيب الأول (حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها) بن الشريف حسن (مؤسس مملكة المنتفق واتحاد قبائل المنتفق) بن الشريف مانع بن مالك بن سعدون الأول بن إبراهيم (أحمر العينين) بن الأمير كبش (امير المدينة المنورة) بن الأمير منصور (امير المدينة المنورة) بن الأمير جماز (أمير المدينة المنورة + أمير مكة المكرمة 687هـ + أول من سك عمله بإسمه في مكة من أمراء المدينة المنورة) بن الأمير شيحة (أمير المدينة المنورة+أمير مكة المكرمة عام 637هـ) بن الأمير هاشم (أمير المدينة المنورة) بن الأمير قاسم (أبو فليته) (امير المدينة المنورة+ امير مكة عام 571هـ) بن الأمير مهنا الأعرج (أمير المدينة المنورة) بن الأمير الحسين (شهاب الدين) (امير المدينة المنورة) بن الأمير مهنا الأكبر (أبو عمارة) (أمير المدينة المنورة) بن الأمير داود (أبو هاشم) (امير المدينة المنورة) بن الأمير القاسم (امير المدينة المنورة) بن الأمير عبيد الله (امير المدينة المنورة+ امير العقيق) بن طاهر بن يحي النسابة بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله (الأعرج) بن الحسين (الأصغر) بن علي (زين العابدين) بن الحسين - ‎رضي الله عنه - ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه‎.

2- وصف الرحالة بارسونز للمعسكر الحربي الضخم لحاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف عبدالله بن محمد: 



زار الرحالة بارسونز (عام 1774م) المعسكر الحربي الضخم لحاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف عبدالله بن محمد ، حيث كان المعسكر على ضفاف نهر الفرات في المنطقة الواقعة بين مدينة العرجه ومدينة القرنه. وقد ذكر بارسونز بأن حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف عبدالله بن محمد هو أقوى أمير عربي على نهر الفرات وعلى الخليج العربي (حيث كانت مملكة المنتفق تطل على الخليج العربي ما بين مصب شط العرب وبلدة الكويت التابعة لدولة بني خالد في تلك الفترة). وقد ذكر بارسونز أن المعسكر كان يضم 80 ألف نسمة ، وبه عشرين ألف عائلة ، ويحتوي على أكثر من ثمانية آلاف خيمة وتلتقي به الخيام مع المدينة في وسطه. ويمتد المعسكر على ضفاف النهر لمسافة ثلاثة أميال تشكل عرض المعسكر ، أما طول المعسكر فكان أكثر من ذلك ويمتد الى العمق في الصحراء. كما ذكر أن المعسكر كان به عددا لايحصى من جميع أصناف المواشي ، وبه أكثر من عشرين نعامة عليها ياقات حمراء وأجراس نحاسية وكانت خاصة بحاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف عبدالله بن محمد. كما وصف خيمة الضيافة لحاكم مملكة المنتفق والتي كان طولها 200 قدم وعرضها 70 قدم. وأخيرا ذكر ان المعسكر يحتوي على أجود أصناف الخيول العربية الأصيلة بالإضافة الى كلاب وصقور الصيد. يذكر الرحالة بارسونز ، كتاب رحلة أبراهام بارسونز من حلب الى الخليج العربي (1774 – 1775) ، ص:112 ((( عند الخامسة مساء وصلنا الى مخيم أقوى أمير عربي على شاطئ نهر الفرات ، أو الخليج الفارسي ، وطوله ثلاثة أميال بالتمام والكمال على طول ضفاف النهر. وعلمت أن هناك أكثر من ثمانية آلاف خيمة وعشرين ألف عائلة. ويبلغ طول خيمة الأمير مئتي قدم وعرضها سبعين قدما. وهذا المخيم يمتد نحو العمق أكثر من امتداده على ضفاف النهر. ويقال انه يضم نحو ثمانين ألف نسمة ، وعددا لاحصر له من جميع أنواع المواشي تقريبا. فتوجهنا الى الشاطئ جميعا ، وبقينا نجول نحو ساعة ، فشاهدنا الخيام منصوبة بطريقة تشكل معها شوارع منتظمة يبلغ عرضها ما بين (80 – 90) قدما ، وخطوطها متوازية عن النهر ، ثم تخترق مركز المدينة بالضبط ، وتلتقي بخيام أخرى من جهة اليمين ، وأكبر الخيام هي المحاذية للنهر. وهنا شاهدت أكثر من عشرين نعامة مروضة ذات ياقات صوفية حمراء وأجراس نحاسية صغيرة حول أعناقها ، فسألت عن سعرها ، وقيل لي إنها تعود للأمير وليست للبيع ، وإنها تقترب من أي شخص يقدم لها الخبز ، فتتلقفه منه بكل أدب مثل كلب ذليل ، وستعاقب كل من يضرب أعناقها ... وهذه القبيلة مشهورة بتربية أجود أصناف الخيول ، وقد ندم رفاقنا الأتراك على عدم شرائهم قاربا فارغا من الحلة ، ولوفعلوا ذلك لحققوا مكسبا لابأس به عن طريق شراء هذه الخيول ثم بيعها في البصرة ، ليتم شحنها من هناك الى الهند ، حيث تباع بأسعار باهظة. يضاف الى ذلك فإن هذه القبيلة مشهورة أيضا بتربية الكلاب السلوقية وصقور الباز ، سواء للبيع أو للاستخدام ، لأن العرب من أكثر الشعوب ولعا بالقنص والصيد ، بسبب وجود الكثير من الظباء والأرانب البرية في معظم الأنحاء التي يعيشون فيها))).

3- أسباب التوتر بين الدولة العثمانية وحاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف عبدالله بن محمد:

 كان كل ما يحيط بمدينة البصرة في تلك الفترة يخضع لمملكة المنتفق ولاتتجاوز سلطة متسلم البصرة العثماني أسوار المدينة. يذكر د. طارق نافع الحمداني، عند حديثه عن متسلم البصرة العثماني وعلاقته بقبائل المنتفق، وذلك في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين، ص: 177 (((حرص متسلم البصرة بشكل مستمر على كسب صداقة قبائل المنتفق، وذلك لضخامة قواتها القبلية، والتي كانت تشكل خير دعم له عندما تتعرض مدينة البصرة لخطر أو عدوان خارجي، بخاصة وأن سلطانه لم يكن يتعد أسوار المدينة نفسها))). ويذكر الرحالة تايلر (زار العراق في نهاية القرن الثامن عشر – عام 1790 م)، وذلك عند حديثه عن بلدة الزبير التابعة لمملكة المنتفق، كتاب رحالة أوروبيون في العراق، ص: 110 (((والزبير كما نوهنا سابقا بلدة صغيرة مسورة، تبعد عن البصرة ثمانية أميال. ويتصف أعراب هذه المنطقة بأنهم يتمسكون بالعمل من أجل نفع الذين يدفعون لهم. وهم يخضعون لشيخ المنتفق المسيطر على ضواحي البصرة. وهو بالطبع مستفيد من كل البضائع التي تمر في منطقته))). وكانت الدولة العثمانية ترى أن بعض الأراضي الزراعية حول مدينة البصرة والتي تسيطر عليها مملكة المنتفق وقبائلها هي أراضي عثمانية ويجب أن يتم دفع ضريبة مقابلها ، الا ان حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف عبدالله بن محمد رفض ذلك ولم يرى للعثمانيين أي حق بهذه المطالبات. وبعد مرور عدة سنوات على هذه المطالبات بدأ التوتر بين الطرفين. وبدأت الدولة العثمانية بالتهديد بالتحرك العسكري ، وهذا أزم الموقف حيث قام حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف عبدالله بن محمد بمحاصرة مدينة البصرة ونشر قواته حولها ، خصوصا بعد أن تأزمت العلاقة بينه وبين متسلمها (الحاج سليمان آغا).

4- طلب الدولة العثمانية للدعم العسكري من بريطانيا العظمى لمواجهة الأمير الشريف عبدالله بن محمد:

أدرك والي بغداد عمر باشا خطورة الموقف لذلك قرر التحالف مع البريطانيين ضد مملكة المنتفق والقيام بعمل عسكري مشترك ، يتمثل بإستخدام المدفعية التي تحملها السفن البريطانية لتوجيه ضربات وقصف مدفعي على مدن وقرى مملكة المنتفق على طول نهر الفرات أثناء تحرك القوات العثمانية بريا. الا أن طلب والي بغداد عمر باشا قوبل بالرفض من قبل المستر مور ( الوكيل البريطاني في البصرة) ، والذي كانت تربطه علاقة جيدة بحاكم مملكة المنتفق ، والذي صرح بإحتمال احتلال حاكم مملكة المنتفق لمدينة البصرة ، وهو ما يجبره على البقاء على الحياد حفاظا على مصالح دولته في مدينة البصرة. يذكر المؤرخ والجغرافي البريطاني ج.ج. لوريمر ، في كتابه دليل الخليج ، عند حديثه عن طلب والي بغداد ( عام 1769م) مساعدة البريطانيين له ضد حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف عبدالله بن محمد ورد الوكيل البريطاني في مدينة البصرة مستر مور، القسم التاريخي ، المجلد الرابع ، ص: 1821 (((لكن مستر مور ... الذي كانت علاقته بعبدالله شيخ المنتفق علاقة ودية دائما ، والذي كان أيضا ماتزال له أموال متأخره عند متسلم البصرة – راوغ في اجابة هذا المطلب متعللا بأن السفن البريطانية الكبيرة لاتستطيع أن تقوم بعملها في مجرى الفرات . وذكر الوكيل أيضا أنه كان محتملا أن تستولي المنتفق على مدينة البصرة نفسها .. وكان هذا في ذاته سببا آخر يحمله على زيادة التمسك بالحياد))).

ويبدو أن سبب رفض المستر مور الرئيسي هو خوفه من أن يقوم حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف عبدالله بن محمد بن مانع آل شبيب عند احتلاله للبصرة بنفس عمل عمه حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف مغامس بن مانع آل شبيب عندما احتل البصرة عام 1705م وطرد البضائع الإنجليزية من أسواق البصرة (حيث كان الإنجليز وقتها حلفاء للعثمانيين ) ووقع اتفاقية مع هولندا التي كانت وقتها في صراع تجاري مع بريطانيا العظمى في البصرة. يذكر المؤرخ حامد البازي ، في كتابه البصرة في الفترة المظلمه ، عند حديثه عن مقابلة الوفد الهولندي لحاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف مغامس بن مانع آل شبيب ، ص:117 ((( وبعد هذه المقابلة أصدر الأمير مغامس براءة وحماية بتاريخ 22 رجب 1117هـ - 1705م وعلى اساسها اصبح للهولنديين امتيازات خاصة كما قويت العلاقات بين الجانبين الى درجة اصبحت اسواق البصرة لاتجد فيها غير البضائع والسلع الهولندية))) << الإتفاقية بين مملكة المنتفق وهولندا - اضغط هنا >> .

5- المصادر:

1- بحث بعنوان: مشيخة آل سعدون في المنتفق وسبب انحلالها ، نشر في مجلة لغة العرب ، سنة 1927م ، المؤرخ والباحث يعقوب نعوم سركيس.
2- كتاب الزبير قبل خمسين عاما مع نبذة تاريخية عن نجد والكويت، يوسف بن حمد البسام.
3- كتاب رحلة أبراهام بارسونز من حلب الى الخليج العربي (1774 – 1775) ، الرحالة أبراهام بارسونز.
4- كتاب الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين ، د. طارق نافع الحمداني.
5- كتاب رحالة أوروبيون في العراق ، الرحالة تايلر زار العراق عام 1790م (في نهاية القرن الثامن عشر).
6- كتاب دليل الخليج ، القسم التاريخي ، المجلد الرابع ، ج.ج. لوريمر.
7- كتاب البصرة في الفترة المظلمه ، المؤرخ حامد البازي.