الثلاثاء، 18 فبراير 2014

أسرة السعدون الأشراف أبرز أسرة ظهرت في تاريخ العراق في الفترة (1530م – 1918م)






أسرة السعدون الأشراف هي أبرز أسرة ظهرت في تاريخ العراق الحديث ( الأربع قرون السابقة للحرب العالمية الأولى). حيث تحكمت هذه الأسرة بمقدرات العراق وتاريخه لعدة قرون ، وأسست في العراق أكبر اتحاد للقبائل والعشائر مختلفة الأصول شهده العراق تاريخيا وهو الإتحاد المعروف بـ (اتحاد قبائل المنتفق). كما أسست أسرة السعدون الأشراف في العراق دولة قوية ( مملكة المنتفق ) والتي كانت تشمل ما يقارب نصف العراق ، وقد دخلت هذه الدولة في صراع تاريخي مع دول عظمى مثل دولة الخلافة العثمانية والدولة الصفوية وبريطانيا العظمى. يذكر المؤرخ جعفر الخياط ، وذلك عند حديثه عن تفرد أسرة السعدون الأشراف في تاريخ العراق وتحكمها في مقدرات العراق ومصائره لعدة قرون ، في كتابه صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة، ص: 29 (((لم تظهر على مسرح الحوادث في تاريخ العراق الحديث أسرة نبيلة تولت الإمارة، وتحكمت في مقدرات العراق ومصائره دهرا طويلا من الزمن مثل أسره السعدون المعروفة. فقد بسطت نفوذها على القسم الأعظم من العراق الجنوبي مدة تناهز الأربع مئة سنة، وتولى شيخة قبائل المنتفك وإمارتها ما يزيد على العشرين شيخا من أبنائها البارزين. وقد كانت هذه الأسرة العربية الكريمة أول من بعث الفكرة العربية من مرقدها في العراق الحديث ، وحمل راية النضال من أجلها بالدم والحديد في وجه الأتراك والايرانيين، بعد أن دثرت وانطمست مآثرها على أيدي المغول الأثيمة.... وقد كان العثمانيون يشعرون بثقل العبء الملقى على عاتقهم في هذا الشان، ولذلك كان تصرفاتهم وخططهم التي رسمت خلال مدة حكمهم كلها ، ولا سيما في عهودهم الأخيرة ، تستهدف ضعضعة الأسرة السعدونية القوية والقضاء عليها بالحركات العسكرية والتدابير الإدارية ، والعمل على انقسامها فيما بينها))). أما الإتحاد القبلي االذي أسسته أسرة السعدون الأشراف فقد كان هو الكيان القبلي الأكبر والأهم والأكثر تأثيرا في العراق تاريخيا. يذكر مملكة المنتفق و قبائلها والأسرة الحاكمه فيها (أسرة آل سعدون الأشراف والتي كانت تعرف سابقا بـ آل شبيب) ، المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، ويقارن أهمية اتحاد قبائل المنتفق (اكبر اتحاد للقبائل والعشائر شهده العراق تحت مشيخة شيخ مشائخ فعلي) بالقبائل الأخرى في العراق كما يقارن أهمية أسرة المشيخة فيه (أسرة آل سعدون الأشراف والتي كانت تعرف سابقا بـ آل شبيب) بأسر المشيخة الأخرى بالعراق ، وذلك عند بداية حديثه في قسم المنتفق من نفس الكتاب، ج:3 ، ص:590 (((مامن قبيلة عراقية تضاهي المنتفق في الأهمية ولا عائلة شيوخ تضاهي عائلة سعدون - شبيب التي أسست في أواخر القرن السابع عشر مملكة المنتفق على الفرات الأدنى والتي جلبت في الحرب العالمية الأولى - عندما كانت تلك المملكة قد سقطت - لاسم المنتفق الفخر والاعتزاز مرة أخرى))).
 

أسست أسرة السعدون الأشراف اتحاد قبائل المنتفق في بدايات القرن السادس عشر (1500م – 1600م) وذلك بتوحيد ثلاث قبائل كبيرة هي قبيلة بني مالك وقبيلة الأجود وقبيلة بني سعيد (الفرع المتبقي من قبيلة المنتفق القديمة) ، ثم اتسع هذا الإتحاد القبلي ليشمل معظم قبائل وعشائر جنوب ووسط العراق. عرف هذا الإتحاد في البدايه بالمتفق لإتفاق قبائله على الوحدة (برئاسة جد أسرة السعدون الأشراف المهاجر من الحجاز والذي أسس هذا الإتحاد) ولاحقا أصبح الإتحاد يعرف بالمنتفق وأختلف المؤرخون حول سبب تغير الاسم. يذكر الكسندر أداموف القنصل الروسي في البصرة في نهاية القرن التاسع عشر, في كتابه (ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها) ، وذلك عند حديثه عن أول ثلاث قبائل في اتحاد المنتفق ، ص: 178(((واسم المنتفقيون نفسه جاء كما يذكر خورشيد أفندي الذي اشترك في لجنة الحدود العثمانية - الفارسية في عام 1849م في كتابه، من الكلمة العربية (متفق) التي تعني (متحد) ذلك أن هذا الأتحاد تكون من اتحاد ثلاث قبائل رئيسية هي بنو مالك والأجود وبنو سعيد حيث توصلت هذه القبائل الثلاث بعد منازعات وخلافات طويلة إلى الأتفاق على انتخاب شيخ مشترك واحد. وقد وقع اختيارها على عائلة الشبيب التي كان جدها قد نزح من الحجاز قبل مايقرب من مائتي سنة واستقر مع أسرته بين القبائل المذكورة. ومنذ ذلك الوقت أصبح شيوخ المنتفقيون ينتخبون من هذه الأسرة فقط))). بدأ هذا الإتحاد القبلي بالنمو بسرعة كبيرة وتم ضم الكثير من القبائل والعشائر له ، وأستطاع حكامه آل شبيب ( عرفوا لاحقا بآل سعدون) ان يضموا مدنا وبلدات وقرى لحكمهم وأن يفرضوا نفوذهم بشكل شبه كامل على نصف العراق الأسفل ، كما أسسوا لاحقا مدنا كبيرة ومنها عواصم دولتهم تاريخيا. يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، وذلك عند حديثه عن الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق أسرة آل شبيب الأشراف (والتي عرفت لاحقا بآل سعدون ) وعند حديثه عن قبائلهم في القرن السادس عشر الميلادي , ج 3 ، قسم المنتفق , ص :592 (((أصبحوا الآن يسعون بصورة متواصلة إلى السلطة مما جعلهم يصبحون في النهاية سادة العراق الأسفل . لقد كانت الظروف مؤاتية لهم لكنهم ماكانوا يستطيعون استغلالها لو ظلوا محتفظين بالعقلية التقليدية لقبيلة بدوية عادية . وبالفعل يبدو انه قد تم في نهاية القرن السادس عشر أعادة تشكيل المنتفق من الرأس إلى القاعده بأن قامت عائلة شبيب بتوحيد المنتفق وقبائل أخرى في اتحاد واحد موال لها وحدها))).

هذه الوحدة التي أوجدتها أسر السعدون الأشراف بين مجموعة كبيرة من القبائل والعشائر مكنت آل سعدون وقبائلهم من أن يصبحوا اللاعب الأبرز في تاريخ العراق ولعدة قرون. يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، الوحدة العظيمة بين قبائل المنتفق والتي يرجع الفضل فيها الى أسرة آل سعدون الأشراف ، وهي الوحدة التي جعلت مملكة المنتفق وقبائلها وحكامها اللاعب الرئيسي في تاريخ العراق وجعلت معظم أحداث العراق مما يخصها ، وذلك في كتابه عشائر العراق ، ج4 ، ص27 (((كانت بينها وحدة عظيمة يرجع الفضل فيها إلى أمراء المنتفق، ومواهب القدرة والجدارة فيهم بادية وغالب وقائع العراق مما يخصها))). وقد حكمت أسرة السعدون الأشراف نصف العراق وأثرت تاريخيا بنصف العراق الآخر التابع للعثمانيين ، وذلك بدعم من قبائل آل سعدون في اتحاد المنتفق حتى كادت أن تستقل هي وقبائلها بحكم العراق بأكمله. يذكر المؤرخ والشاعر السعودي خالد الفرج ( ولد في الكويت عام 1898م) ، عند حديثه عن أسرة السعدون الأشراف ، في كتابه الخبر و العيان في تاريخ نجد ، ص: 203 (((ورئاسة قبائل المنتفق ترجع الى بيتهم من قديم ، لأن المنتفق خليط من قبائل شتى تجمعهم رابطة التحالف والمجاورة والمصاهرات، إلى أن كونوا قبيلة كبيرة تحكمت في نواحي العراق، وكادت تستقل بحكمه))). ونظرا لكون أسرة السعدون الأشراف هي الأسرة المؤسسه لإتحاد قبائل المنتفق فإن الحاكم لمملكة المنتفق من آل سعدون الأشراف يحمل لقب (شيخ مشائخ المنتفق) ويعتبر شيخ مشائخ فعلي لكل القبائل والعشائر في هذا الإتحاد القبلي الضخم. يذكر خورشيد باشا (الذي اشترك بلجنة الحدود العثمانية الفارسية ما بين 1848م - 1852م وأصبح واليا لأنقرة لاحقا ) في تقريره الذي أعده للدولة العثمانية في تلك الفترة، وذلك عند حديثه عن عادات وتقاليد شيخ مشايخ المنتفق من أسرة آل سعدون الأشراف ، كتاب ولاية البصرة - من كتاب (سياحة نامة حدود) جولة بالمناطق الحدودية بين الامبراطورية العثمانية وفارس ، ص: 59 ((( هناك عدد كبير من الشيوخ الثانويين تحت سيادة شيخ مشايخ المنتفق ، كل هذا العدد من الشيوخ تحت أمرة شيخ المنتفق ، وعن طريق كل منهم تصل تعليمات الشيخ الرئيسي الى افراد قبائلهم وعليهم ان ينفذوا هذه الاوامر طوعا لا اكراها ))). ويذكر ضخامة اتحاد المنتفق وكثرة قبائله مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي، في كتابه عشائر العراق، المجلد الرابع، ص:14(((عشائر المنتفق كبيرة وكثيرة، وليس من المستطاع أن تذعن لبيت. وانما القدرة في هذا البيت جعلتها تذعن وبالتعبير الاصح ان الحوادث وتواليها جمعتها في الرئاسة ذات المواهب... ولم يخل بها أو يضعضع أمرها ما قامت به الدولة العثمانية من حركات عسكرية للقضاء عليها بل مكنتها، فاثبتت الكفاءة بإدارة عشائرها والجدارة بحزم في التفاهم معها))).

أستطاعت أسرة السعدون الأشراف أن تمد حدود دولتها ( مملكة المنتفق ) على نصف العراق ، وكان يرفرف على كامل أراضي الدولة علم مملكة المنتفق المسمى "وارد" منذ تأسيس مملكة المنتفق عام 1530م وحتى سقوطها بالحرب العالمية الأولى عام 1918م. يذكر هذا العلم مع امتداد مملكة المنتفق في عصرها الذهبي (1668م - 1853م) وأراضيها النهرية والبرية المؤرخ الشيخ علي الشرقي (ولد عام 1890م) ، وذلك في هامش كتاب تاريخ المنتفق لسليمان فائق (أحد كبار موظفين الدولة العثمانية بالقرن التاسع عشر)، ص: 9 (((و أما النهرية فكانت تشمل كل شط العرب مصعدة في الفرات إلى ماوراء "السماوة" عند "سدرة الأعاجيب" ومادة في دجلة إلى ماوراء "العمارة"... أما الجهة البرية فكانت كما ذكرنا كل بادية العراق بحدودها الحالية محروسة بنفوذ آل سعدون، ومن قبلهم بنفوذ أجدادهم آل شبيب، ويرفرف عليها العلم العراقي المعروف باسم "وارد"))). هذا الإتساع في حكم أسرة السعدون الأشراف لمملكة المنتفق والتقاسم للنفوذ بالعراق مع الدولة العثمانية أدى إلى الإصطدام العسكري والسياسي والإقتصادي بين الطرفين ولعدة قرون ، حيث اتبعت الدولة العثمانية العديد من السياسات للقضاء على مملكة المنتفق وحكامها آل سعدون الأشراف (آل شبيب سابقا) ، يذكر المؤرخ الشيخ علي الشرقي (ولد عام 1890م) ، في كتابه ذكرى السعدون، ص: 23 (((وموقف آل سعدون في نصف العراق وفي كل بادية العراق جلب اهتمام الباب العالي وحول اتجاهه إلى هدم تلك الامارة فكانت مهمة القواد والولاة الاتراك ضعضعة الامارة السعدونية ومناوئتها. كل بدوره وحسب دائرة اختصاصه هذا بالحركات العسكرية وهذا بالتحفظات السياسية وهذا بالشروط المالية وهذا بإقتطاع اطراف بلاد الامارة وإنترائها من آل سعدون))). وقد كانت أسرة السعدون الأشراف هي أكثر أسرة حاكمه عربية تعرضت للحملات العسكرية العثمانية وللسياسات العثمانية بشكل عام ، وعلى الرغم من ذلك فقد بقيت قبائل المنتفق وفية لحكامها ودافعت عنهم وعن أراضيها بشراسة ضد العثمانيين. يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي في كتابه عشائر العراق، المجلد الرابع ، وذلك عند حديثه عن مملكة المنتفق (امارة المنتفق) ومحاولات الدولة العثمانية التي لاتحصى للقضاء عليها ، ص: 122 ((( وقائع المنتفق كثيرة ، والتدابير المتخذة للقضاء على الامارة لاتحصى))). ويذكر أيضا مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في كتابه كتاب عشائر العراق ، المجلد الرابع ، ص: 26 (((وفي كل هذه تدهشنا ناحية مهمة وهي ان العشائر لم تنفصل عن الامارة، وانما ناضلت معها نضال المستميت ودافعت دفاع الابطال))).

وقد كانت المرحلة الأخطر والأكثر تأثيرا في السياسات العثمانية هي مرحلة الإفراز ، والتي بدأت منذ عام 1853م وحتى عام 1881م والتي تعني التنازل عن مناطق بكامل عشائرها وقبائلها للعثمانيين بموجوب وثائق يتم توقيعها وتم خلالها التنازل عن أكثر من نصف مساحة مملكة المنتفق للعثمانيين وتتلخص هذه المرحلة بدعم أحد أفراد الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق (آل سعدون الأشراف) ضد الحاكم الفعلي من أبناء عمه, وهذا الدعم يكون بالقوات العسكرية العثمانية والسلاح والإعتراف السياسي بحكمه، وذلك مقابل تخلي الحاكم الجديد عن اراضي من دولته بكافة قبائلها وعشائرها للدولة العثمانية، وكان أول إفراز هو إفراز لواء السماوة كاملا بكل عشائره وقبائله والتنازل عنه للدولة العثمانية وذلك عام 1853م من قبل الأمير الشريف منصور السعدون. يذكر المؤرخ الشيخ علي الشرقي (ولد عام 1890م) ، في كتابه ذكرى السعدون (الصادر عام 1929م) ، مرحلة الإفراز وتدرج العثمانيين بإقتطاع أراضي مملكة المنتفق في القرن التاسع عشر ، ص: 28 (((وتم للعثمانيين ماارادوه في بلاد المنتفق وكانوا يعملون عليه منذ قرون تقريبا فقد جاؤا على البنيان بالهدم حجارة حجارة حتى اتوا عليه وقد تدرج العثمانيون ينقصون مملكة المنتفق من السماوة والعمارة ومن أنحاء البصرة))). ومن السياسات التي بدأت الدولة العثمانية في هذه المرحلة تطبيقها في محاولة لإستمالة آل سعدون الأشراف ودعم مرحلة الإفراز ، هي سياسة منحهم ألقاب رسمية عثمانية ، حيث كان الأمير الشريف منصور السعدون أول من حصل على لقب (باشا) من آل سعدون ، حيث منح سنة 1276هـ (1860م) رتبة (مدير الإسطبل العامر) مع لقب (بيك) ثم (باشا) بعد ذلك ، و استمرت الدولة العثمانية في هذه السياسه منذ ذلك الوقت ، وأصبح حكام مملكة المنتفق يظهرون بألقاب عثمانية. وقد كان الأمير الشريف منصور بن راشد السعدون بعد سقوط حكمه يقيم في بغداد اجباريا وأحد أعضاء مجلس الحكم فيها وذلك بعد صراعه على الحكم مع أخيه الأمير الشريف ناصر السعدون وولد عمه الأمير الشريف فهد بن علي السعدون ، وقد أراد الأمير الشريف منصور السعدون الوصول للحكم بدعم عثماني و بنفس الوقت إيقاف سياسة الإفراز تجاه مملكة المنتفق لذلك عرض على العثمانيين ضم ماتبقى من مملكة المنتفق الى الدولة العثمانية في حال دعمهم له للوصل الى الحكم ، وان يصبح في منصب متصرف في أراضي المنتفق وبالتالي لايوجد مبرر لطلب التنازل عن أراضي من مملكة المنتفق الى العثمانيين ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي، موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين ، مجلد: 7 ،حوادث سنة 1280هـ - 1863م ،ص: 168 (((وكان الشيخ منصور من أعضاء المجلس الكبير ببغداد وهو منقاد لرأي الحكومة، فأبدى أن لاحاجة الى فصل بعض المواطن، وبين أنه اذا عينته الحكومة قائممقاما (متصرفا) جعل المنتفق كلها تابعة للدولة كسائر البلاد العثمانية))). ومنذ ذلك التاريخ بدأت مملكة المنتفق تفقد استقلالها ، وأصبحت مرتبطه جزئيا بالدولة العثمانية وبشكل رسمي. يذكر هارولد ديكسون ، الوكيل السياسي البريطاني والذي عمل كسياسي بالعراق بعد الحرب العالمية الأولى ، عند حديثه عن الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق وأسرة المشيخة لقبائل المنتفق (أسرة السعدون الأشراف)، في كتابه الكويت وجاراتها، ج1، ص: 159 (((وقد هاجروا من الحجاز إلى بلاد ما بين النهرين في أوائل القرن السادس عشر. وفي ظل عائلة السعدون حافظ اتحاد المنتفق على استقلاله من الأتراك حتى سنة 1863))). وكان الأمير الشريف ناصر بن راشد السعدون (منافس الأمير الشريف منصور على الحكم) قد أدرك خطورة هذه الخطوة في حال تطبيقها فعليا ، لذلك وبعد صراع سياسي وعسكري بين العثمانيين وحكام مملكة المنتفق ، اتفق الأمير الشريف ناصر السعدون (الذي كان وقتها قد حصل على لقب "باشا" من العثمانيين) مع مدحت باشا والي بغداد على تحويل ماتبقى من مملكة المنتفق الى لواء يسمى بـ ( لواء المنتفق) يحكم من قبل آل سعدون الأشراف ويعترف بالتبعية الأسمية فقط للعثمانيين ويكون حل وسط يرضي جميع الأطراف ويؤدي الى تهدئة المنطقة ، وقد رفع مدحت باشا ذلك للباب العالي وتم الموافقة عليه ولذلك تقرر أن يقوم الأمير الشريف ناصر السعدون ببناء عاصمة جديدة في عام 1869م تكون مركزا للواء المنتفق. ولذلك أسس آل سعدون الأشراف مدينة الناصرية (أجمل مدن العراق في عصرها) والتي خططها المهندس البلجيكي جولس تيلي. وقد بنيت المدينة على طراز حديث لم تعهده مدن العراق في ذلك الوقت وهي من مفاخر أسرة آل سعدون الأشراف التاريخية، يتحدث عن تأسيسها الكسندر أداموف القنصل الروسي في البصرة في نهاية القرن التاسع عشر، في كتابة ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها، ص: 54 (((وبعد أن بنى ناصر باشا في المكان الذي أختاره قلعة واسعة وحصينة وألحق بها ثكنات بدأ بتشييد مدينة جديدة حولها سميت (الناصرية) نسبة لمؤسسها. ان تخطيط المدينة بل وحتى بناء الكثير من عمارتها كما تشير الشائعات، هو من عمل مهندس بلجيكي وذلك ماجعل الناصرية بسوقها الواسع وبيوتها وشوارعها العريضة أحسن من أي مدينة أخرى على الفرات فهي تعطي للأوروبي أجود انطباع))). وعلى الرغم من تأسيس لواء المنتفق الا أن الصراع العسكري والسياسي بين حكام مملكة المنتفق والعثمانيين أستمر الى ما قبل الحرب العالمية الأولى بعدة أشهر.

لم يكن العثمانيين هم الطرف الوحيد في العراق الذي دخل معه حكام مملكة المنتفق بصراع عسكري كبير ،بل أن الفرس (خصوصا الدولة الصفوية) تلقوا العديد من الهزائم العسكرية من قبل حكام مملكة المنتفق آل سعدون الأشراف. يذكر المؤرخ يعقوب سركيس ( ولد عام 1876م) ، في كتابه مباحث عراقية ، ق 3 (((ليس بخاف على من له اطلاع على تاريخ آل سعدون، ذوي الشرف الباذخ والعز الأثيل أنهم جعلوا من (اتحاد) المنتفق قدوة للعشائر والقبائل، حاربوا به العثمانيين والفرس وأنزلوا بهم الهزائم))). وقد دافع آل سعدون الأشراف عن العراق تاريخيا ووقفوا بوجه كل القوى التي هاجمته عسكريا وعلى رأس هذه القوى الدولة العثمانية والدولة الصفوية وبريطانيا العظمى. يذكر المؤرخ والنسابة يونس الشيخ إبراهيم السامرائي ، في كتابه القبائل والبيوتات الهاشمية في العراق , مناطق حكم آل سعدون (مملكة المنتفق) وهي لواء السماوة ولواء المنتفق (قلب مملكة المنتفق تاريخيا وماتبقى منه يسمى محافظة ذي قار حاليا) وأبو الخصيب ولواء العمارة ولواء البصرة كما يذكر الصراع العسكري مع العثمانيين والفرس الإنجليز ، ص: 177 (((آل السعدون أصلهم من الحجاز فقد هاجروا إلى العراق في أوائل القرن العاشر وحكموا المنتفق، وهم ينتسبون إلى جدهم الأعلى سعدون بن الشريف محمد وينتهي نسبهم إلى الأمام علي زين العابدين ابن الحسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-....كانت لهم امارة انتشرت رقعتها ونفوذها حتى اصطدمت هي والنفوذ العثماني مرات عديدة... ومن أطرف مايذكر عن آل السعدون أنهم أول من فكر في تأسيس حكومة عربية تعيد مجد العرب, ولآل السعدون فضل في رد الفرس عن العراق أكثر من مرة, كما حارب آل السعدون الأحتلال الإنكليزي بقيادة أعجمي السعدون.... وآل السعدون كانت لهم أمارة كبيرة تضم السماوة والمنتفق وأبو الخصيب والعمارة والبصرة))). وعندما دخلت بريطانيا العظمى العراق عام 1914م ( الحرب العالمية الأولى ) ، اتخذ الأمير الشريف عجمي بن سعدون السعدون حاكم مملكة المنتفق ومعه معظم قبائله جانب العثمانيين (على الرغم من قتل العثمانيين لوالده الأمير الشريف سعدون بن منصور السعدون) ، يذكر عبداللطيف الخالدي ، في كتابه من اعلام الفكر الاسلامي في البصره:الشيخ محمد امين الشنقيطي 1293-1351هـ / 1876-1932م ، وذلك عند حديثه عن نجدة حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف عجمي السعدون لمدينة البصرة عندما دخلتها بريطانيا العظمى ، ص: 133 (((أما مجيء عجمي الى البصرة فكان على أثر ورود رسالة له من والي بغداد – جاويد باشا – يستنصره ، ويستصرخه باسم الدين ليهب للدفاع عن البصرة قبة الاسلام المهدده بالإحتلال البريطاني ، فلبى الطلب))). ويكمل المؤلف ، ص: 141 (((وعلى أثر ذلك أنعمت الحكومة التركية على عجمي بن سعدون بلقب – باشا – تقديرا لخدماته الحربية وتناسيه أحقاده على الدولة العثمانية التي سجنت أباه ونفته الى حلب حيث مات في منفاه))). وفي عام 1915م أثناء القتال حاولت بريطانيا العظمى استمالة آل سعدون الأشراف وذلك بعرض حكم العراق عليهم مقابل التخلي عن جانب الأتراك وهو العرض الذي أرسل مكتوبا من قبل السير بورسي كوكس (الحاكم الملكي لبريطانيا العظمى في العراق) للأمير الشريف عجمي بن سعدون السعدون (ومازال أبناؤه يحتفظون بهذه الوثيقة التاريخية) وهو العرض الذي رفضه الأمير الشريف عجمي السعدون كليا واستمر في قتال الإنجليز حتى سقطت مملكة المنتفق والعراق، وهذا نص الوثيقه ، المنشورة صورتها في كتاب القاموس العشائري العراقي ، ج:1 ، ص437 (((شيخ العرب الأمير السعدوني

نبارك النسب السعدوني الهاشمي في الجزيرة العربية وشجاعة أبائكم وأخوانكم ونقدر مواقفكم من الاتراك نعرض عليكم كأمير عربي ونود أن نعلمكم إن الشيخ مبارك أمير الكويت وعبد العزيز أمير أرضه تخلو عن الاتراك وإننا نعرض عليكم أميراً على أرضك لا تضيع الفـرص على أهليكم يا شجاع نقدر فيك الموقف نعرض عليك لانك أحق من غيرك.

السير بورسي كوكس

الحاكم الملكي لبريطانيا العظمى

العراق 1915م))).

وبقي الأمير الشريف عجمي بن سعدون السعدون يحارب الأنجليز هو ومعظم قبائل اتحاد المنتفق حتى سقوط العراق بأكلمه في يد بريطانيا العظمى نهاية عام 1918م ، ينقل المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، وصف للأمير الشريف عجمي السعدون، وذلك في كتابه البدو، الجزء الثالث، (عن فيلبي..الجزء الأول, ص 257) ، ص 631 (((كان عجمي أعظم ان لم يكن في الواقع العبقرية العسكرية الوحيدة التي أنجبها العرب خلال الحرب وكانت صفاته تستحق اعترافا أفضل ونجاحا أكبر حظا. وعلى الرغم من أنه كان عدونا لا يمكننا انكار تقديرنا للطريقة والشكل الذين استمر فيهما في خدمة قضية خاسرة ولا مستقبل لها على مدى سنوات الحرب في الصحراء، على الجانب الأخر من الفرات، كان دوما سهما في لحمنا وعاملا توجب علينا أن نحسب له حسابا))). ثم هاجر الأمير الشريف عجمي السعدون إلى تركيا بعد خسارة مملكة المنتفق الحرب وسقوط مملكة المنتفق والعراق بأكمله بيد بريطانيا العظمى وقد تم منحه مقاطعة زراعية هناك من قبل الدولة العثمانية. يذكر الأديب فهد المارك (ولد عام 1910م) ، نص الرسالة التي وجهها كمال أتاتورك للأمير الشريف عجمي السعدون عند قدومه لتركيا وقد أرسلت الرسالة في الفترة التي سبقت انقلاب أتاتورك على العثمانيين وقد ترجمها للعربية الدكتور أمين رويحة ، وذلك في كتابه من شيم العرب، ج1، ص:103 (((حضرة شيخ مشايخ العراق عجمي باشا. استبشرت بتشريفكم إلى ديار بكر، وكنت قد سمعت عن سجاياكم ورجولتكم وارتباطكم بمقام الخلافة المقدس، وأنا عندما كنت في الحرب المنصرمة في قيادة الجيش الثاني في ديار بكر وقيادة الجيش الرابع في حلب ممااحدث لكم في قلبي محبة كبيرة.....))) ويكمل المؤلف فهد المارك بعد عرضه نص الرسالة في كتابه من شيم العرب (((والشيخ عجمي الآن يقطن البلاد التركية حيث أدى به وفاؤه إلى ان ناضل في صف الأتراك إلى آخر لحظة، ولم يقف به وفاؤه إلى ان قاتل بجانبهم في بلاده العربية فحسب بل ذهب يناضل بجانب الجيوش التركية في قلب بلادها إلى ان هجر وطنه العراق.وهكذا ذهب البطل ضحية لوفائه حيث خسر زعامته في العراق واملاكه التي لاتحصى وبقي في تركيا لاجئا))).

يذكر هارولد ديكسون ، الوكيل السياسي البريطاني والذي عمل كسياسي بالعراق بعد الحرب العالمية الأولى ، في كتابه عرب الصحراء ، وذلك عند حديثه عن الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق وأسرة المشيخة في اتحاد قبائل المنتفق – أسرة السعدون الأشراف وعند حديثه عن قبائل اتحاد المنتفق وعن شهرة اسم المنتفق في المجتمع العربي في تلك الفترة وعن بادية العراق (((وتاريخ تحالف المنتفق يرتبط ارتباطاً لا ينفصم بالسعدون ، واسم المنتفق ذاته كما يستخدم في العراق يشير فقط إلى العائلة الحاكمة وإلى عبيدها وأتباعها والذين يعتبرون جزءاً لا يتجزأ منها. ولا يوجد أحد من رجال القبائل في العراق يدعو نفسه منتفقي مع أنه قد يستخدم الكلمة عندما يكون في مكة أو دمشق حيث لا تعرف قبيلته الصغيرة في حين أن شهرة المنتفق على كل لسان في المجتمع العربي. ومكانة السعدون والتي تتمتع بأهمية سياسية كبرى في جنوب ما بين النهرين تعتمد بشكل رئيسي على أصولهم وبشكل جزئي على الجهل التركي الرسمي أو تجاهلهم بعلاقتهم بالقبائل. كما لا يجب أن يغرب عن البال أن السعدون يرتبطون بالنظام الاجتماعي للصحراء ولم يخضعوا لتأثيرات المحلية التي خضعت لها قبائل العراق ، والتي كانت مثلهم من المهاجرين من الجزيرة العربية والذين سبقوهم بالهجرة وهم لذلك أكثر اتصالاً بتقاليد وعادات ما بين النهرين. وقد حافظ آل السعدون على السمات التي تميز بدو الجزيرة العربية ، فهم من السنة ومن أهل البعير أي الإبل وديرتهم هي منطقة الحماد غربي الحي أو جنوب الفرات حيث حفروا أو أعادوا حفر الآبار في منازلهم القبلية المعتادة وإليها يعودون بعد هطول المطر المبكر وحيث يتمتعون بسلطتهم كزعماء مستقلين للصحراء))).



المصادر:

1- كتاب صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة ، المؤرخ جعفر الخياط.
2- كتاب البدو ، المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم.
3- كتاب ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها ، الكسندر أداموف ، القنصل الروسي في البصرة في نهاية القرن التاسع عشر.
4- كتاب عشائر العراق ، مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي.
5- الخبر والعيان في تاريخ نجد ، المؤرخ والشاعر خالد الفرج .
6- كتاب ولاية البصرة - من كتاب (سياحة نامة حدود) جولة بالمناطق الحدودية بين الامبراطورية العثمانية وفارس ، تقرير عثماني أعده للدولة العثمانية خورشيد باشا (الذي اشترك بلجنة الحدود العثمانية الفارسية ما بين 1848م - 1852م وأصبح واليا لأنقرة لاحقا).
7- هامش كتاب عشائر المنتفق ، المؤرخ العثماني سليمان فائق بك (أحد كبار الموظفين العثمانيين في العراق في القرن التاسع عشر).
8- كتاب ذكرى السعدون ، الشيخ والمؤرخ علي الشرقي – صدر عام 1929م.
9- موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين ، مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي.
10- كتاب الكويت وجاراتها، هارولد ديكسون ، الوكيل السياسي البريطاني والذي عمل كسياسي بالعراق بعد الحرب العالمية الأولى.
11- كتاب مباحث عراقية ، ق 3، المؤرخ يعقوب سركيس.
12- كتاب القبائل والبيوتات الهاشمية في العراق , المؤرخ والنسابة يونس الشيخ إبراهيم السامرائي.
13- كتاب من اعلام الفكر الاسلامي في البصره:الشيخ محمد امين الشنقيطي 1293-1351هـ / 1876-1932م ، عبداللطيف الخالدي.
14- كتاب القاموس العشائري العراقي ، الشيخ أحمد العامري الناصري.
15- كتاب من شيم العرب، ج1، فهد المارك.
16- كتاب عرب الصحراء ، هارولد ديكسون ، الوكيل السياسي البريطاني والذي عمل كسياسي بالعراق بعد الحرب العالمية الأولى .