شهدت مدينة البصرة (ميناء العراق الوحيد وأهم ميناء على الخليج العربي) تنافسا تجاريا حادا بين بريطانيا العظمى وهولندا في نهاية القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر، وقد تفوق الهولنديين تجاريا في هذا التنافس ، الا ان الإنجليز حسموا الأمر لصالحهم بالطرق السياسية كونهم حلفاء للعثمانيين في تلك الفترة ، مما أدى إلى تكبد الهولنديين لخسائر كبيرة. يذكر المؤرخ حامد البازي ، في كتابه البصرة في الفترة المظلمه ، ص:117 ((( قيل ان خسارة الانكليز بلغت عشرة آلاف ليرة في شهر واحد حيث اقبل الناس على شراء البضائع الهولندية ولكن الانكليز عرفوا كيف يتدبرون الامر فاتصلوا بالحكومة في استنابول حيث فرضت الضرائب الكمركية على الحاجيات الهولندية بمقدار خمسة وعشرين بالمائة بينما خفضت الضريبة على البضائع الانكليزية الى ثلاثة بالمائة حتى بعد مرور شهرين فقدت البضائع الهولندية من أسواق البصرة لعدم اقبال الناس عليها بسبب غلائها))). واستمر الوضع على هذا الحال حتى عام 1704م عندما قرر حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف مغامس بن مانع آل شبيب (عم الأمير سعدون بن محمد الذي عرفت الأسره بإسمه لاحقا) ان يخضع مدينة البصرة لحكمه وبذلك قلب موازين القوى في المنطقة كلها.
دخل حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف مغامس بن مانع آل شبيب (عم الأمير الشريف سعدون بن محمد الذي عرفت الأسره بإسمه لاحقا) الى مدينة البصرة عسكريا عام 1704م ، واتخذ المدينة عاصمة لمملكة المنتفق ، وعين بها قاضيا للشرع وهو الشيخ سلمان ، كما أسس بها المدرسة المغامسية ، وبدأ بتنظيم التجارة في عاصمته مع القوى الإقليمية الكبرى. يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، عند حديثه عن حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف مغامس بن مانع آل شبيب وأعماله في البصرة في تلك الفترة , موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين , المجلد الخامس , ص 210 (((ان حكم المنتفق على البصرة لم يكن عشائريا . وانما كان هنالك قاضي شرع . وان من بقايا أعمال الأمير مغامس المدرسة المغامسية منسوبة اليه . ولانعرف عنها تفصيلا أكثر من أنها كانت في أقاصي البصرة أسست لتدريس العلوم وأطعام الطعام للطلاب ))).
تحرك الهولنديين بسرعة للتحالف مع مملكة المنتفق قبل أن تسبقهم الى ذلك أي قوة دولية أخرى ذات نشاط تجاري في مدينة البصرة. وحضر الى قصر الحكم في البصرة وفد لمقابلة حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف مغامس بن مانع آل شبيب (عم الأمير الشريف سعدون بن محمد الذي عرفت الأسره بإسمه لاحقا). وكان على رأس الوفد كبير الهولنديين في الخليج والبصرة الربان الهولندي (بيتر مكاره Peter Makare) والذي استغل الفرصة لتهنئة حاكم مملكة المنتفق بمناسبة إنتزاعه للبصرة من العثمانيين وجعلها عاصمة لدولته ، والتمس منه توقيع اتفاقية تجارية بين العرب والهولنديين ، وقد قبل الأمير الشريف مغامس بن مانع آل شبيب بذلك ، وأصدر مذكرة تم تصديقها شرعيا من قبل قاضي مملكة المنتفق الشيخ سلمان. وكان الأب حنا ( يوحنا) الكرملي كبير المسيحيين في البصرة قد حضر ضمن هذا الوفد وقد انتهز الفرصة أيضا وطلب مذكرة حماية للمسيحيين في البصرة وتم الموافقة على طلبه أيضا. ينقل عن الأب حنا (يوحنا) المؤرخ يعقوب نعوم سركيس (ولد عام 1876م) ، في بحثه: عم سعدون مغامس المانع والكرملي ، نشر البحث في مجلة لغة العرب ، السنة السابعة ، الجزء 1 ، ص: 80 ((( في اليوم السابع من هذا الشهر (تشرين الثاني 1705) حضرنا امامه (أمام الأمير مغامس) فرحب بنا وبعد أن هنأه الربان الهولندي التمس منه أن يعطيه عقد اتفاق بين الهولنديين والعرب. فكرم عليه مجيبا طلبه بكل ما يرغب فيه وبعد ذلك اوضح له الهولندي مطلبهم بمذكرة للهولنديين تتعلق بشؤون الشركة فانتهزت هذه الفرصة بتقديمي اليه مذكرة في امر حماية كنيستنا ودارنا. وفي 9 من الشهر الجاري قدمنا مذكرتينا بواسطة عبداللطيف الى الأمير مغامس فدفعهما حالا الى قاضيه الشيخ سلمان ليصدقهما تصديقا شرعيا. وفي 12 منه ارسل الأمير مغامس بالبراءتين احدهما الى الهولندي في الاتفاق وثانيتهما الي في مادة الحماية))).
وقد كانت هذه الإتفاقية التجارية بين مملكة المنتفق وهولندا تأكيدا من الأمير الشريف مغامس بن مانع آل شبيب (عم الأمير سعدون بن محمد الذي عرفت الأسره بإسمه لاحقا) على إنهاء أي مظهر لما تبقى من نفوذ للعثمانيين في الخليج العربي وذلك بإزاحت الإنجليز (حلفاء العثمانيين في تلك الفترة) تجاريا من أسواق البصرة عاصمة مملكة المنتفق. يذكر المؤرخ حامد البازي في كتابه البصرة في الفترة المظلمه ، ص:117 ((( وبعد هذه المقابلة أصدر الأمير مغامس براءة وحماية بتاريخ 22 رجب 1117هـ - 1705م وعلى اساسها اصبح للهولنديين امتيازات خاصة كما قويت العلاقات بين الجانبين الى درجة اصبحت اسواق البصرة لاتجد فيها غير البضائع والسلع الهولندية))).
المصادر:
1- كتاب البصرة في الفترة المظلمه ، المؤرخ حامد البازي.
2- موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين ، مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي.
3- بحث بعنوان: عم سعدون مغامس المانع والكرملي ، مجلة لغة العرب ، السنة السابعة ، المؤرخ يعقوب نعوم سركيس - ولد عام 1876م.